فماذا بعد الحرب ؟؟

Author

Categories

Share

إقترب النصر بإذن الله و سيعود السودانيين إلى بيوتهم و إلى حياتهم التي فارقوها طوال الحرب التي إستمرت حتى الأن ل21 شهراً , و لكن بعد نهاية هذه الحرب سوف يتفاجأ كثير من السودانيين بأن البلاد قد دُمّرت بصورة شبه كاملة، وتعرضت المصانع والمتاحف والجامعات والمعالم الأثرية للنهب والتجريف ، وأن الاقتصاد تحديدًا قد يعاني في غمرات الموت ، وكل شيء تقريبًا على حافة الهاوية ، ما يعني ان الطوق الوحيد للنجاة هو العمل بهمّة ؛ لإعادة بناء الدولة على أسس حديثة ومتينة ، واستلهام تجارب مشابهة خرجت من تحت ركام المآسي.

أرقام صادمة :-

تخطت الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في السودان مخلفة آلاف القتلى، إلى جانب خسائر اقتصادية قدرت بمئات المليارات من الدولارات ، ودمارا هائلا في البنية التحتية.

وعلى الرغم من نزيف الدم والمأساة الإنسانية الكبيرة والخسائر الاقتصادية الضخمة ، إلا أن الجهود الإقليمية والدولية المستمرة لم تنجح , فإذا إنتهت الحرب في السودان اليوم فيعود الفضل بعد الله تعالى إلى المجاهدين الذين جاهدوا بأرواحهم فداء للوطن و بفضل القائد السوداني و جهود جميع السودانيين الذين شاركوا او حتى حاولوا بشكل او بآخر المساهمة في وقف هذه العرب اللعينة .

 و تزايدت الخسائر البشرية بشكل كبير و تتباين التقديرات حول الأعداد الدقيقة للضحايا ، أكد المتحدث الرسمي باسم نقابة أطباء السودان لموقع “سكاي نيوز عربية” أن عدد القتلى يفوق التقديرات المعلنة ، مشيرا إلى أن المستشفيات والفرق الطبية تواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى البيانات اللازمة التي تعكس العدد الحقيقي .

أما إقتصادياً فوفقًا لإحصائية وزارة المالية ، فقد بلغت الخسائر الاقتصادية جراء الحرب 26 مليار دولار، وهي إحصائية أولية غير دقيقة ، أضاف إليها عضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر أرقامًا صادمة ، عندما ذكر أنّ المؤسسات العامة والحكومية تعرضت لدمار قد تفوق إعادة إعماره 150 مليار دولار .

هذه الأرقام، لم تشمل  بطبيعة الحال الأضرار التي لحقت بالقطاع الخاص ، وبالسواد الأعظم من الناس العاديين ، ضحايا الحرب ، الذين فقدوا بيوتهم ومقتنياتهم وأهلهم ومصادر رزقهم ، لكن الفاجعة الكبرى مما يصعب رتقه هي النسيج الاجتماعي الممزق ، الذي سيعاني منه جيل آخرعلى الأقل .

الإصلاح :-

ولعل من المؤسف القول ؛ إن الحرب نقلت السودان نقلة خطيرة ، من رصيف الدول النامية إلى وضع أسوأ بكثير ، بعد أن كان مرشحًا ليكون سلّة غذاء العالم ، وهي ردة لا نظير لها في التجارب المعاصرة ، مما يتطلب كضرورة حاسمة  ثورة إصلاحيّة عميقة الجذور، إذ إن العالم كله يمضي للأمام  بخطى مسرعة ، و التى نحتاج اللحاق بها و مواكبتها , أو على طريقة نظرية الإوزّ الطائر، وهي التي تقوم بتصوير عملية النمو الاقتصادي في دول شرق آسيا، وتأتي اليابان في مقدمة ذلك السرب.

ولعلّ الاقتصادي الياباني «أكاماتسو كانامي» عندما وضع تلك النظرية في العام 1937م اعتمد على طريقة أسراب الإوزّ، التي تشير إلى أن الدول الناهضة  وتمثل السرب اللاحق  تميل إلى الصناعات الأقل تقدمًا ، مقارنة بالدول التي تفوقها في التطور الاقتصادي ، وعرض تجربة بلاده التاريخية في التحول المذهل من استيراد النسيج من بريطانيا إلى إنتاجه وتصديره بعد ذلك ، وصولًا إلى تركيز رأس المال والانعطافة “الحداثوية”، حدّ أن العالم اليوم شديد الإعجاب بالتجربة اليابانية ، كما لو أنها دولة في كوكب مغاير.

قد يكون من المفيد للسودانيين النظر في تجربة اليابان ، ليس لما انتهت إليه من ثورة صناعية ، ولكن من البداية المُدهشة والخروج السريع مِن عُنق الزجاجة ، وذلك بالضرورة يتطلب تحطيم ما تبقى من جهاز الدولة البيروقراطي ، والأفكار السياسية البالية .

التجربة اليابانية :-

بالعودة للعام الأخير من الحرب العالمية الثانية ، وبينما الأنفاس مُتصاعدة ، نفّذ الحلفاء هجومًا جويًا بقنابل حارقة ، قضت والتهمت نحو 67 مدينة يابانية ، ثم تلا ذلك إلقاء أميركا قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي لتستسلم طوكيو أخيرًا ، وتنتهي الحرب بدمار هائل في كل أجزاء اليابان تقريبًا ، ونتج عن ذلك نهاية القبضة الإمبراطورية ، ودمار الاقتصاد والحياة القديمة كلها ، حتى ظنّ الجميع أن اليابان لن تقوم لها قائمة بعد ذلك اليوم الأسود.

لكن العقل الياباني لم ينهزم ، وقد أخذ رئيس الوزراء حينذاك يوشيدا المهمة على عاتقه بقدر من الجدية ، وحول النقمة إلى نعمة ؛ تحقيقًا لما عرف بعد ذلك بالمعجزة اليابانية ، والتي حدثت في أقل من عشرين عامًا ، تحت شعار: (فوكوكو كيوهيي) ، والتي تعني تنمية القوة الاقتصادية والعسكرية للبلد ، في محاولة جادّة للحاق بالركب الغربي الصناعي ، والسير فوق جُملة مشروعات إصلاحية ، استهدفت القوانين أولًا، ومن ثم التعليم والإنتاج الزراعي، وقبل كل شيء بناء شخصية الفرد على نموذج “غامان”، الذي يعتنقه الياباني منذ الصغر، وهو مجموعة إستراتيجيات تهدف للتعامل مع الأحداث الخارجة عن السيطرة ، حد أن الأفراد يطورون في أنفسهم قدرةً خارقة على تحمل أشياء غير متوقعة أو سيئة ، ومن العسير اجتيازها بنجاح ، مثل: الزلازل والمصاعب الأخرى الحياتية.

الواجب السوداني ؟

بالمقابل يحتاج أهل السودان بعد أن تضع الحرب أوزارها، إلى مرحلة مهمة ، وهي مرحلة التعافي الاجتماعي والسياسي ، ومن بعد ذلك التوافق على دستور جديد ، يتضمن حلًا لنهضة الإقتصاد و سياسة غير فاسدة منحصرة في الصراع على السُلطة ، وهي قضية تتطلب تفكيك قبضة المركز لصالح الأقاليم تحت رقابة عليا ، باعتماد النموذج الفدرالي بدرجة أكبر، مع أحقية كل إقليم بالتمتع بثرواته وحقوقه السياسية ، والتنسيق مع المركز في القضايا السيادية ، و توفير سبل و مقومات الحياة في كل الأقاليم دون أن تكون ثمة حاجة للهجرات نحو العاصمة.

والمشكلة الأخرى ، تتعلق بوضع حد للأيادي الخارجية التي تعبث بموارد السودانيين و التركيز فقط على العلاقات متبادلة المصالح ، إذ إن أكثرَ ما أضرّ بالاستقرار خلال العقود السابقة ، القابليةُ السودانيّة للتدخلات الأجنبية .

يجب ان يكون لكل سوداني بأي فئة من فئات المجتمع دور وطني يتمثل بالإصلاح , فلشباب دور بكونهم هم المسقبل, و ان يتم العمل على ضمان الحصول على تعليم ممتاز حتى يغدو السودان مكاناً أفضل مما لا شك فيه بالطبع , وأن تعقد مؤتمرات لرواد الأعمال السودانيين لخطة إعادة الإعمار لجميع مدن السودان , و ان يفتح الباب للإستثمارات الخارجية برقابة اقتصاد وطني صارم و ربما ليس بالضرورة تقفّي أثر المعجزة اليابانية وقع الحافر بالحافر، فللسودان خصوصيته وتفرده ، بينما اليابان دولة استثنائية لكنها أيضًا أقرب تجربة لما يمكن للمرء أن يفعله ، فالحكمة ضالة المؤمن ، حيثما وجدها فهو أحق أن يأخذ بها ، وأمام الشعب السوداني فرصة تنشد التسامي فوق الجراح و الصبر ، ثم التوجّه إلى العمل.

Author

Share